آل الخازن… رصيد كسرواني


نادر حجاز_ البـلد.
كان دارهم الملجأ الأمين للامير المعني الذي صان امارة لبنان وبنى مجدها، ومعه كان دور الخازنيين الذين برزت منهم اسماﺀ لامعة في تاريخ السياسة اللبنانية داخليا وخارجيا. ينتشر آل الخازن في العديد من المناطق اللبنانية، فبالاضافة الى منطقة كسروان حيث تواجد العائلة الاساسي فهي تنتشر في سن الفيل ودير القمر وعبيه ويرتبط اسمها غالبا بمدينتي غوسطا وعجلتون. ويبلغ افرادها اليوم حوالي 1120 نسمة ما بين مقيمين ومغتربين واما تسميتها فترجع الى احد اجدادهم الذي كان امينا للمال في بلاد اليمن موطنهم الاول ونسبة لوظيفته عرفوا بالخازنيين. وكان لهم دور مهم في الحياة السياسية اللبنانية قديما وما زالوا ولمع منهم العديد من الاسماﺀ من نواب ووزراﺀ وفي غير السياسة كذلك. وكان حديث مع الوزير السابق الشيخ وديع الخازن حول تاريخ العائلة والمحطات التي مرت بها.

تعددت الآراﺀ حول اصل هذه العائلة الا ان ادلة كثيرة قدمها الباحثون تردهم الى الغساسنة وهــم مــن الجماعات التي هربت من اليمن بعد خراب السد، وبعد المذابح اليهودية ضدهم التي قــادهــا ملك حمير المتهود ذو النواس، ووقــف الغساسنة الى جانب المسلمين في معركتي مؤتة واليرموك وتفرع عنها الكثير من العائلات ومنها ال الخازن احدى العائلات اللبنانية العريقة التي ترجع بنسبها الى الغساسنة وقد نزحوا الى بلاد حوران التي مكثوا فيها حتى الــعــام 1440 وكانوا يتبعون فــي معتقدهم مذهب السريان وكان لهم شأن في البلاد . وانتقلوا في هذا العام الى ضواحي بعلبك ودير الاحمر واليمونة ومن ثم نزحوا الى بلدة “جاج” العام 1475.

وكانت قد نزحت الى شمال لبنان العديد من التجمعات المسيحية الهاربة من دفع الجزية او تجنبا لان يكونوا مواطنين من درجة ثانية، وهربا مما فرضه الخليفة الامــوي عمر بــن عبد الــعــزيــز “” 720-717 من قيود وتمييز بين المواطنين.

وهؤلاﺀ النازحون اندمجوا بالطائفة المارونية، وفي لبنان ينتسبون الى سركيس الخازن الذي انتقل العام 1545 من “جاج” الى الفتوح وسكن البوار، ثم انتقل الى بلونة.

كـــان آل ســيــفــا اشـــد اخــصــام المعنيين واقنعوا الباب العالي بان الامير قرقماز مسؤول عن حادث التشليح في جــون عكا فجردت السلطنة العثمانية حملة على الجبل بقيادة ابراهيم باشا العام 1584 وقضت على الامير، فخافت “الست نسب” على ولديها فخر الدين ويونس، وطلبت من الحاج “كيوان الماروني” ان يخبئهما عند احد الامناﺀ في كسروان، فخبأهما في بلدة بلونة عند ابراهيم بن ســركــيــس واخــيــه ربـــاح الــخــازن حــيــث مكثا 6 عــنــدهــم ســنــوات قبل انتقالهما عند خالهما في عــبــيــه. امـــا وبــعــد وصـــول الامــيــر فخر الدين الــى الامــارة كــان من اهم اهدافه توطيد اركان البيت فكان آل الخازن في كسروان من اعز اصدقائه لانهم حنوا عليه صغيرا واختار له مدبرا مارونيا خازنيا وهو الشيخ ابو نادر واسمه الاول خازن.

وبعد توجه الامير الى توسكانا العام 1612 بقي ابو نادر مدبرا لاخيه الامير يونس الــذي عينه واليا على كسروان العام 1613 ثم قلده اياها العام 1615 “وكانت اســرة الخازن اول اســرة مارونية اقطاعية في لبنان”.

كما وكــان خــازنــي آخــر قائد المشاة، وعندما كان الامير يبعث برسالة الى احد افراد آل الخازن كان يخاطبه بقوله “اخونا العزيز” مما رفع مرتبة العائلة الى رتبة المشايخ ولعبوا ادوارا عديدة في جبل لبنان وشغلوا مناصب اخرى في الحقبة الشهابية واما وبعد انتصار الامير حيدر الشهابي العام 1711 في معركة عيندارة ثبت آل الخازن في كسروان.

لعب آل الــخــازن دورا بـــارزا في الكنيسة الــمــارونــيــة فالعائلة عضو دائم فيها والتقليد يقضي بحضور احد افرادها اثناﺀ السيامة وهذا يرجع الى تاريخ قديم. ولهم نــفــوذ كبير يتمتعون بــه داخــل الكنيسة وفـــي معظم شؤونها بالاضافة الى تعاون وثيق بينهما فكان الاكــلــيــروس غير قــادر على القيام باعباﺀ رجاله، فكان يعتمد على ال الخازن في تأمين الدعم المادي والحماية اذ كانوا من ابرز الاســر المارونية فــي جبل لبنان، كما اصبحت هذه العلاقة محكمة جغرافيا بعد تثبيت مقر البطريركية في كسروان وبذلك كان لال الخازن تأثير كبير على بكركي وفي القرنين الثامن والتاسع عشر انتخب ثلاثة بطاركة مــن ال الــخــازن: البطريك يوسف ضرغام الخازن، البطريرك طوبيا الخازن والبطريرك يوسف الــخــازن. وبــرز دور الخازنيين هذا جليا فــي مشاركتهم الاساسية في المجمع الكنسي اللبناني الذي انعقد فــي ســيــدة الــلــويــزة وكــان استتباعا للمجمع الذي عقد سنة 1596 فــي قنوبين وكــانــت هذه المجامع بمثابة تنظيم للكنيسة المارونية كما نعهدها في يومنا هذا.

في منتصف القرن التاسع عشر اهتز جبل لبنان اكثر من مــرة اذ غاص في مستنقع الحروب الاهلية والتدخل الخارجي، وهذه الحروب ترافقت مع اهتزاز زعامات وتكريس اخرى. واما في كسروان وفي العام 1858 كانت معالم ثورة اجتماعية تلوح في الافق، واختلف المؤرخون في تحليلها وتوصيفها فمنهم من اعتبرها ثورة ومنهم من نظر اليها كتحرك داخلي صغير ارتبط بمصالح خارجية وبتمويل ودعم منها.

وامـــا شــعــار تــلــك الــثــورة فكان القضاﺀ على الاقــطــاع والتحرر من ربقة الاقطاعيين، ونشبت الثورة التي قام بها الفلاحون بزعامة رجل من العامة ويدعى طانيوس شاهين من ريفون والذي كان بيطارا يعمل في دير للعازريين هناك، والذي اعلن قيام حكومة فلاحين يكون حاكمها المطلق ولكن البطريرك الماروني تجاهل الامر في حين ان الخوارنة والــقــســس قــد شجعوها وايــدوهــا وذلك لان سلطة الاكليروس كانت قد ضعفت كثيرا ازاﺀ نفوذ الاقطاعيين الموارنة وسلطتهم الواسعة، وعلى اثرها تأثر كثيرا ال الخازن الذين كــانــوا هــدف نــيــران هــذا التحرك الشعبي فمنهم مــن تــرك املاكه التي توزعها الفلاحون ومنهم من قصد فلسطين او حــوران واهتزت امــارة الخازنيين خــلال هــذه الثورة التي عرفها التاريخ بثورة الفلاحين ولكنهم عادوا رسميا العام 1860 الى كسروان، واعيدت اليهم اراضيهم وممتلكاتهم.

شهد التاريخ على وجوه خازنية كــان لها الاثـــر الكبير فــي مجرى الاحداث وفي رسم السياسة اللبنانية منذ عهد الامارة المعنية والشهابية مرورا بالمتصرفية وفي عصر النهضة العربية وصولا الى الاستقلال والدولة اللبنانية. وكما اوردنا كان للشيخ ابا نادر الخازن دورا مهما الى جانب الامير فخر الدين والامير يونس اذ كان مدبرا ومستشارا لهما ثم عين والــيــا على كــســروان ووهــبــه الامير فخر الدين سنة 1616 لقب “شيخ” الــذي ما زالــت الاســرة تحمله حتى يومنا هذا.

ولم يكن نفوذ العائلة ورصيدها باقل مع الشيخ ابو نوفل الــذي منح الجنسية الفرنسية وعين قنصلا لفرنسا في بيروت كما انعم عليه ملك فرنسا بوكالة قنصلية البندقية . واصبح بهذا المنصب اول لبناني ماروني فرنسي يعين في لبنان وقد حافظت الاســرة على هــذا المنصب حتى العام 1758. وكان يخاطب ابو نوفل في الرسائل والوثائق الرسمية “نادر الخازن، امير الموارنة، الفارس الروماني، الكونت بلاتين، مستشار الملك، قنصل جلالته المسيحي الورع في مدينة بيروت وتوابعها”.

وقد شغل آل الخازن الكثير من المناصب الادارية والسياسية طوال عهد القائمقاميتين والمتصرفية والانـــتـــداب وكــثــيــرة هــي الاســمــاﺀ التي كانت في هــذه المناصب من قائمقامين وغيرهم. ولا يمكن سوى التوقف بجلال وتقدير امام الاخوين الشهيدين فريد وفيليب الخازن اللذين اعدما في ساحة الشهداﺀ في حزيران 1916 وروى الخوري يوسف اســطــفــان الــــذي عــرً فــهــمــا وشــاهــد لحظاتهم الاخــيــرة واصــفــا البطولة والصبر اللذين تحلا به كل من الاخوين الخازن على حبل المشنقة. كما كان الشيخ يوسف الخازن مفكرا سياسيا بارزا ومن المع الادباﺀ في عصره وكان صاحب نظرة رؤيوية برزت في كل ما كتب لا سيما في جريدة “البلاد” وكان صديق الدكتور فؤاد افرام البستاني فكان صحافيا لامعا ترك العديد من المؤلفات.

بقي آل الــخــازن محافظين على وجودهم التاريخي وحاضرهم لا يقل عن ماضيهم وان كانوا بالوان جديدة، فكل حسب زمانه وتعرف العائلة اليوم تنوعا بارزا وخلاقا، وفيها اليوم اكثر من شخصية سياسية قد تختلف آراؤهــم ومواقعهم السياسية وكل يقدم على طريقته ومن موقعه.

ابرز الشخصيات التي تنقلت في اكثر من موقع نيابي، وزاري وحزبي وابرزهم: يوسف الخازن، كسروان الخازن، الوزير كلوفيس الخازن، النائب فيليب الخازن، النائب الياس الخازن الذي كان وزيرا في اول حكومة بعد الطائف، النائب فريد هيكل الخازن، رشيد الخازن، فريد هيكل الخازن “2”، فريد الياس الخازن ووديع الخازن. بالاضافة الى نخبة من المحامين والمهندسين، وبرز امين كسروان الخازن سفير لبنان في الامم المتحدة ووليد الخازن سفير فرسان مالطا في الاردن. ولا يمكن نسيان السلسلة الكبيرة من المطارنة والبطاركة الذين خرجوا من ال الخازن.