في حوالي العام الرابع من الحرب تلقي ملك الملوك من أحد عيونه، وكان قد جال في بعض الأقاليم الرومانية متنكرا في زي تاجر، تقريرا مقنطأ. فالفيالق التي كانت تتناحر حتى ذلك اليوم ليفرض كل منها إمبراطورا من اختياره أصبحت وقد حلت فجأة، على ما يبدو، منافساتها القتالة؛ ولقد ذًبح ثلاثة متطلعين إلى العرش من أربعة بيد فيالقهم بالذات.
وإذ كانت الإهانات النازلة في الشرق، بالإمبراطورية الرومانية قد ألهبت ظهرها فقد رأت نفسها ملتحمة بين ليلة وضحاها حول قيصر واحد هو نبيل اسمه “ڤاليریان” في السبعين من العمر، رئيس سابق لمجلس الشيوخ، وسياسي محنك، ولكنه أيضا جندي ذو فضائل مشهودة، جعل نصب عينيه، ما إن وصل إلى مقام الإمبراطور، أن يضع حدا للزحف الساساني.
وإذ رجا شاهبوره على هذا أن يثبّط لدى أعدائه كل رغبة في الانتقام، فقد وجه جيوشه مرة ثانية إلى سوريا الرومانية واحتل مدن أخرى وخرب بعض النواحي التي لم تكن قد مُست حتى الآن، وقوى حامية كأنطاكية. وإذ عاد بعد ذلك إلى المدائن فقد تبختر في موكب جديد من مواكب النصر. ومعه في هذه المرة، بشكل بارز وأمارة على الانتصار، ستمئة من جنود الفيالق مقيدين ثناء ثناء خلف عربة المنتصر.
لما كان ملك الملوك واثقا من نفسه كما لم يسبق له أن وثق فقد قرر الانطلاق بلا ريث لمحاصرة اليونان، أو ربما مصر، ولكنه أصيب بنوبة من الحمى المراجعة أرغمته على تأجيل مشاريعه إلى العام التالي.
وقرر في أثناء هذه المهلة أن يدع رجاله يعودون إلى ثكناتهم. وكان قد أعاد الجيوش المساعدة إلى مواطنها حافلة ومكتظة بالغنائم، وأوفد كذلك بعض الفصائل النخبوية إلى ذرانجيان لإخضاع بعض الزعامات المثيرة للاضطراب، عندما وصلته رسائل جديدة من عيونه: كان فاليربان« يقترب على رأس جيش روماني لم يسبق أن حشد أقوى منه! وكان قد اجتاز قرن الذهب وأخذ يزحف عبر آسيا الصغرى. ولقد شوهد ظهور طليعته في كوماجين. وكانت فيالقه تسعى إلى التجمع عند أسوار سومازات فيكون بوسعها أن تنزل منها في عشرة أيام إلى السهول الساحلية، أو حتى أن تصعد نحو أودية القوقاز.
كان شاهبوره لا يزال يتساءل عن التقدير الذي يجب إيلاؤه لهذه التقارير الحافلة بالويل والثبور حين بلغه سقوط أنطاكية فجأة وذبح حاميتها الساسانية. واستدعي على عجل مجلس كبراء المملكة مشددا هذه المرة على أن يعثر على ابن بابل “ماني”.
كتاب: حدائق النور.
الكاتب: أمين معلوف.