يقع جبل الشيخ (جبل حرمون) بين فلسطين وسوريا ولبنان، ويمتد من بانياس السورية وسهل الحولة في الجهة الجنوبية الغربية إلى وادي القرن ومجاز وادي الحرير في الجهة الشمالية الشرقية، ويشكل جبل الشيخ القسم الأهم والأكبر من سلسلة جبل لبنان الشرقية التي تمتدّ بين لبنان وسوريا.
يحدّ جبل الشيخ من الجهة الشرقية والجنوبية منطقة وادي العجم وهضبة الجولان وإقليم البلان، أمّا من الجهة الشمالية والغربية فالقسم الجنوبي من سهل البقاع ووادي التيم في لبنان. ويقع القسم الجنوبي الغربي من جبل الشيخ تحت الاحتلال الإسرائيلي لأنه يقع ضمن هضبة الجولان السوري، ويطل الجبل من أعلى قمته على العديد من الدول مثل الأردن وسوريا ولبنان وفلسطين حيث إنّه يمكن للزائر إذا كان على أعلى قمته التي تصل إلى 2814 متراً والتي تقع على الحدود اللبنانية السورية أن يرى العديد من مناطق السورية وبالأخص دمشق وبادية الشام والجولان وسهول حوران بالإضافة إلى إمكانية مشاهدة جزء من الحدود الشمالية الأردنية والفلسطينية خاصة جبال الخليل ومحافظة إربد وبحيرة طبريا وسهل الحولة، بالإضافة إلى كل جنوب لبنان وسلسلة جبال لبنان الغربية وسهل البقاع.
أربع قمم
يحتوي جبل الشيخ على أربع قمم، أعلى قمة تسمى شارة الحرمون في سوريا، ويصل ارتفاعها إلى 2814 متراً أمّا القمة الثانية إلى الغرب فيصل ارتفاعها إلى 2294 متراً والقمة الثالثة إلى الجنوب 2236 متراً وتقع في القسم السوري الذي تحتله إسرائيل، أمّا بالنسبة للقمة الرابعة إلى الشرق فإنّ ارتفاعها يصل إلى 2145 متراً.
ويعد جبل الشيخ المنبع الرئيسي لنهر الأردن وللعديد من المجاري المائية في المنطقة، وقد سمي جبل الشيخ بهذا الاسم نسبة إلى قمته ورأسه الذي يغطيه الثلج مثل ما يكلل الشيب رأس الإنسان وقد أطلق عليه بعض المؤرخين العرب اسم جبل الثلج، حيث إنّ الثلوج تهطل عليه بكثافة في فصل الشتاء وخاصة ما بين شهر كانون الأول وحتى نهاية آذار.
أقدس الجبال
لجبل الشيخ أهمية دينية منذ قديم الزمان عند مختلف الأقوام التي تعاقبت عليه منذ الفينيقيين الذين سكنوا المنطقة، فترى المعابد التي أقيمت عليه تدل على أهميته الدينية عند بعض الأديان، واعتبر أقدس الجبال، فقد عبده الفينيقيون، وأطلقوا عليه اسم أحد آلهتهم، البعل حرمون. وقد أقاموا لبعلهم هيكلا إلى جانب الصخرة الكبيرة التي تكلل قمتها ولا تزال آثارها ظاهرة حتى اليوم. ومنها بقايا جدار القصر العائد إلى أحد هذه الهياكل وطوله قرابة عشرة أمتار وداخل المعبد ثمة فتحة دائرية ذات مساحة تراوح بين 26 و30 قدماً مربعاً، وعمقها ثلاثة أقدام كانت تستخدم مكاناً لإيداع النذور من جانب الصاعدين إلى قمة الجبل. وقد وجدت قطعة من حجارة المعبد بطول 18 قدماً وعرضها 12 قدماً وسماكتها أربعة أقدام حفر عليها كتابات يونانية بالمعنى الآتي: “بأمر من الإله الأعظم المقدس قدموا النذور في هذا المكان”. وهناك مغارة تقع داخل موقع لقوات الطوارئ الدولية يعتقد أنها كانت معبداً للإله إيل.
وقد لاقت المعابد في جبل حرمون اهتماما بالغا من الرومان، الذين أعادوا تجديدها وزينوا أعلى الجدران بتيجان، وبقيت هذه المعابد تتمتع باحترام كبير، وبحركة حج حتى القرن الخامس للميلاد. وتذكر المصادر التاريخية، أن الوثنيين الذين عبدوا الشمس، ظنوا أنهم يقتربون من معبودتهم الساطعة فوق جبل الشيخ، أكثر من أي مكان آخر. كما أن جلال وروعة المنظر، دفعت الكنعانيين إلى تأليه الجبل، فأطلقوا عليه بعل حرمون، وشيدوا فوقه هياكل ومعابد، ما يزال يحمل آثارها إلى اليوم.
ويذكر المؤرخون أن القدماء كانوا يصعدون قمة جبل الشيخ أواخر كل صيف، ويقدمون نذورهم وأضحيتهم، وظلت الطقوس الدينية تقوم فوق الجبل إلى العهد البيزنطي، حتى إبّان انتشار الديانة المسيحية.
ومن أقدم ما بقي من آثار، المعابد الوثنية فوق بعل حرمون، ومعبد الإله شوب القابع فوق أعلى قمم الجبل على ارتفاع 2814متراً. ويوجد حول الجبل، تسعة معابد تتشابه فيما بينها إلى حد كبير، تتكامل مع المعبد الكبير القائم فوق قمة الجبل، أحدها معبد بعل جاد في الهبارية، ومعبد عين حرشا، وفي منطقة البقاع، والسفوح الشرقية للجبل من الجانب السوري، وفي هضبة الجولان المحتل.
وجاء في تاريخ العرب أن الكعبة المشرّفة بُنيت من حجارة أحضِرت من خمسة جبال، كان جبل الشيخ أحدها.
خميلة مدهشة الألوان
يتسم جبل الشيخ بسِمَة قلّما عرفها جبل في العالم، إضافة إلى هيبته الكبيرة، يبدو للرائي الجوّال، في هضابه وأوديته وتضاريسه المدببة والمسطحة، خميلة مدهشة الألوان والانعكاسات. فأي إطلالة عليه تضفي لونا مختلفا، يتبدّل ويتنوّع في النهار الواحد بتبدل الساعات ومواقع الشمس. هذا التنوع يبلغ ذروته، عندما تميل الشمس إلى المغيب، فتتحوّل السمرة التي تغلب على الجبل إلى صفار، وتغدو تربته بنفسجية، ينعكس عليها الشفق، فتغدو حمراء فاتحة، ثم ينمحي المشهد المزخرف عند هبوط الليل وتتوشى على تلك الكتل السامقة بالضوء الفضي تحت ضوء القمر المنسكب عليها من السماء. يقصده الزوار للاستمتاع بمشهد شروق الشمس وغروبها، والسهر مع القمر وشعشعة النجوم، التي يشعر المرء أنه قادر على التقاطها لقربها من السماء، هذه الروعة قد لا يوجد لها أي مثيل في العالم.

وتوجد في جبل حرمون تربة خاصة بسبب توفر المياه والتضاريس الطبيعية، ولذلك فهو يحتوي على نباتات فريدة من نوعها. فقد كان جبل حرمون عامرا بالأحراج في العهود السابقة، أكثر من الوقت الحاضر. وكل المصادر التاريخية كانت تتحدث عن غابة غضة كانت تغطي حرمون، تتشابك فيها جميع أنواع الشجر، الذي ما زال ينمو في محيط الجبل منها: السنديان، والملول، والبلوط، والشوح، والزعرور ، والشربين، والبطم، والبرقوق، والقيقب والعجرم.
كما يمتاز جبل الشيخ بغطاء عشبي كثيف متنوع، نادرا ما يعرف اليبوسة، بفعل الوشاح الثلجي الأبيض، الذي يغطي المنطقة معظم أيام السنة. ومنها ما هو صالح للأكل البشري، كالخبازي والهندباء والرشاد والشومر والزعتر، وآخر يدخل في عداد الأعشاب الطبية الفريدة.
الأجران الرومانية
ومن الآثار المتبقية فوق الجبل أيضاً، تلك الأجران الرومانية قرب تلة الجراجمة، حيث كان الرومان يشعلون فيه النار، فتشاهد من جزيرة قبرص على ما يذكر الدكتور فيليب حتّي، وكانت بمثابة رسائل يُعرف قصدها من بعيد، في إشارة إلى إشعال النار فوق الجبل، يوم ارتفاع الصليب الذي اكتشفته القديسة هيلانة في القدس بعد أكثر من ثلاثمئة سنة، فأعطيت الإشارة للقسطنطينية بواسطة “قبولة” النار، التي ما يزال المؤمنون يقيمونها ليلة عيد الصليب في 14 أيلول/سبتمبر من كل عام، في حين تقام في معلولا في سوريا، احتفالات ضخمة في المناسبة، وهذه العادة متوارثة من جيل إلى جيل، منذ ما يقرب الألفي عام.

هذا الجبل الشامخ المهيب يطل على أماكن واسعة جداً من البلاد، فالواقف على ذراه ولا سيما على قمة قصر عنترة، بإمكانه مشاهدة مدينة دمشق وسهول حوران أهراء القمح، وبادية الشام وهضبة الجولان في سوريا وقسماً من المناطق الشمالية الأردنية وعلى هضاب فلسطين وجبال الجليل والخليل وسهل الحولة جورة الذهب وبحيرة طبريا في فلسطين، كما يطل على سهلي البقاع ومرجعيون وجبل عامل وجبل الريحان وتومات نيحا وهضاب سلسلة جبال لبنان الغربية وقممها المطلة على البقاع كما يمكن رؤية البحر الأبيض المتوسط.
Sources: Text by alquds.co.uk | Images: Rami Rizk, Lebanon in a Picture,
روعة
LikeLike